جزاء المؤمنين في الهداية وعقاب الكافرين في الضلال

توضح الآيات (1-3) من سورة محمد، المعروفة أيضًا بسورة القتال، الطبيعة المدنية لهذه السورة، حيث تشير إلى أن الأعمال الحسنة التي يقوم بها الكفار، مثل صلة الرحم وإطعام الفقراء واتباع قيم الأخلاق، لن تُقبل منهم، لأنهم يسيرون في طريق الضلال. بينما المؤمنون الذين يتبعون طريق الهداية ويلتزمون بالحق ويؤدون أعمالًا صالحة، ستُقبل أعمالهم بإذن الله.

كما تتناول الآيات (22-28) فئة أخرى من الكفار، وهم المنافقون الذين علموا بالدين ولكنهم اختاروا الاستمرار في كفرهم وضلالهم. ورغم تغطيهم برداء الإيمان إلا أنهم وما زالوا بعيدين عنه. فهم يتمنون لو يعودون إلى الممارسات الفاسدة التي كانت سائدة قبل دخول الإسلام، وتسبب مرضهم في حرمانهم من فوائد السمع والبصر، مما يجعلهم غير قادرين على فهم آيات القرآن التي تُقرأ عليهم، وكأنهم كائنات لا تعقل.

فهم أحكام القتال والتعامل مع الأسرى

من الدروس المستفادة من هذه السورة الكريمة هي أحكام القتال ومعاملة الأسرى، والتي تشرحها الآية الرابعة. حيث توجه الآية المؤمنين إلى ضرورة المضي قدمًا في قتال الكفار والاعتداء بشكل حاسم، وبعد انتهاء المعركة وسيطرة المؤمنين على بعض الأسرى يمكنهم إما إطلاق سراحهم دون مقابل، أو استبدالهم بأسرى المسلمين المحتجزين لدى الكفار، أو أخذ فدية مالية مقابل حريتهم.

وتظل هذه الأحكام سارية حتى يتمكن المشركون من الاستسلام أو التوصل إلى اتفاق مع المسلمين. وهذا يدل على أن الإسلام يدعو إلى السلام ويشجع عليه، فالحرب ليست غاية في حد ذاتها، بل إن الإقناع والحوار هم السبل الرئيسية لنشر الإسلام. والقتال هو وسيلة لتمحيص صمود المؤمنين، ولو أراد الله -عز وجل- لكان بإمكانه إهلاك الكفار كما حدث مع الأقوام السابقة، ولكنه امتحان يرفع درجات المجاهدين الصادقين، على رأسهم الذين ينالون شهادة.

التمييز بين جزاء المؤمنين وعاقبة الكافرين والدروس من الأمم السابقة

إحدى العبر المستفادة من السورة الكريمة هي توضيح الفرق بين جزاء المؤمنين وعقاب الكافرين، إلى جانب الدروس المستفادة من مصائر الأمم السالفة، وذلك في الآيات (5-15). حيث تبين هذه الآيات أن جزاء المؤمنين يتمثل في تحسين أحوالهم في الدنيا والآخرة، ودخول الجنة التي تحتوي على الأنهار، والنصر على الأعداء.

بينما عقاب الكافرين يشمل الهلاك وفقدان ثواب أعمالهم، ودخول النار والخلود بها. كما تُدعيهم هذه الآيات للتفكر في مصائر الأمم السابقة ليتجنبوا العقاب الإلهي الذي حل بأهل الضلال.

ومن هنا يجب على المسلم أن يعتبر بمصير الكافرين ويدعو الله أن يجعله من أهل الجنة، خصوصًا أن الآيات تحث المسلمين على السعي لنيل رضا الله الذي يؤدي إلى الجنة، مع إظهار جمال الجنة ونعيمها.

قلّة تدبّر القرآن الكريم كصفة من صفات المنافقين

تتناول الآيات (22-28) من السورة الكريمة أيضًا فئة أخرى من الكفار، وهم المنافقون الذين علموا بالدين ولكنهم ما زالوا مصممين على كفرهم. ولذلك، فقد حرمهم الله -سبحانه وتعالى- من فوائد السمع والبصر، مما يجعلهم غير قادرين على الانتفاع بآيات القرآن التي تُتلى عليهم، وكأنهم حيوانات ضالة لا تعي شيئاً.

من هنا يتضح أهمية حرص المسلم على تدبر القرآن الكريم واستفادته من معانيه، والاهتمام بتلاوته في أوقات الليل وأطراف النهار. قال -تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).

أهمية الجهاد والانفصال عن التعلق بحياة الدنيا

تشدد الآيات (35-38) على أهمية الجهاد وضرورة عدم التعلق بالدنيا الزائلة. إذ تدعو الآيات المؤمنين إلى عدم الانكسار والاستسلام للأعداء، بل للثبات في الجهاد، حيث أن الله -عز وجل- مع المؤمنين ينصرهم ويضاعف لهم الأجر على أعمالهم.

كما يتعين على المؤمنين النظر إلى حقيقة الدنيا، التي ليست سوى لعب ولهو، فلا ينبغي لهم الانغماس في ملذاتها، ويجب ألا يبخلوا بأموالهم عندما يُطلب منهم الإنفاق في سبيل الله؛ لأنهم سيجدون ثواب ما يقدمونه عند الله -سبحانه وتعالى-.