أهمية اتباع القرآن الكريم
منح الله -عز وجل- أمة الإسلام فضيلة إنزال القرآن الكريم، الذي يُعتبر آخر الكتب السماوية حتى يوم القيامة. وقد أُنزِل ليكون دليلاً ومرجعية لأمة الإسلام في مجالات العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق، حيث قال -عز وجل-: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. ويكون تدبر القرآن من خلال الإيمان به، والعمل بما يحتويه من حلال والاجتناب عما حرمه الله -عز وجل-.
وكل من جعل القرآن هادياً له في أفعاله فسيكون بإذن الله من الناجين في الآخرة؛ كما جاء في قوله -عز وجل-: ﴿إِنَّ هـذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم أَجْرًا كَبِيرًا﴾. إذًا، إن العمل بالقرآن يُؤدي إلى الهداية والثواب العظيم في الآخرة.
أساليب العمل بالقرآن
يُعتبر العمل بالقرآن أمرًا يسيرًا وغير مُكلف، حيث يجب على كل مسلم أن يعمل بما يستطيع وفق قدراته. فلا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولمن يسعى ليكون من أهل القرآن عليه أن يتبع التعليمات التالية:
التزام القراءة والحفظ
تتطلب قراءة القرآن وحفظه تكريس وقت وجهد حسب القدرة الفردية. ويجب المواظبة على القراءة والحفظ لتأصيل القرآن في القلب، إذ أن عدم الحفظ يؤدي إلى فقدانه ونسيانه. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإبِلِ فِي عُقُلِهَا)، حيث يُشير التفصي إلى تفلت القرآن وخروجه من القلب.
كان الصحابة يتعلمون عشر آيات فقط في كل مرة حتى يتسنى لهم العمل بها وتطبيقها بشكل صحيح. وكانوا يدركون بأن الشيطان يسعى ليجعلهم ينسون ما حفظوه، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ).
لذلك اجتهد الصحابة ومن تبعهم في قراءة القرآن وحفظه، لدرجة أن أحدهم كان يُنهي القرآن كاملاً في ليلة، وآخر كان يُختم القرآن مرتين يوميًا في شهر رمضان.
التدبر الجيد
يقول الله -عز وجل-: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. وتعني تدبر القرآن التفكير فيه والتأمل في معانيه وأحكامه. ويعتبر التدبر سنة نبوية تُغذي القلب بالعلم والفهم، ويتطلب إعمال العقل والقلب عند تأمل آيات الله -عز وجل-.
وتشير عدم التأمل في القرآن إلى قسوة القلب، كما جاء في قوله -عز وجل-: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجسد مدعاة التدبر عمليًا في صلاته، حيث كان يُسَبِّح عند مرور آية فيها تسبيح، ويسأل عند آيات السؤال، ويستعيذ عند الآيات التي تتطلب التعوذ.
تطبيق الأحكام
قال الله -عز وجل-: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾. وقد فسر ابن مسعود -رضي الله عنه- الآية قائلًا: “والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يُحل حلاله ويُحرم حرامه”، مما يُظهر أن التلاوة الحقيقية تتطلب العمل بما تدل عليه من الحلال والابتعاد عن ما يشير إليه من الحرام.
اعتبر الحسن البصري أن القرآن قد أُنزِل ليُعمل به، ولذلك يجب أن تُتخذ التلاوة عملاً. فليس الهدف من إنزال القرآن قراءته فحسب، بل العمل به والتطبيق العملي لما ورد فيه.
آداب التلاوة
لتلاوة القرآن الكريم مجموعة من الآداب التي ينبغي على القارئ الالتزام بها للحصول على أقصى فائدة، ومن هذه الآداب ما يلي:
- اختيار الوقت والمكان المناسبين لقراءة القرآن.
- الحرص على الطهارة في البدن والثياب والمكان.
- إخلاص النية لله -عز وجل- وتعدد النوايا في القراءة.
- الاستعاذة والبسملة والترتيل والتأني في التلاوة.
- حضور القلب والخشوع في القراءة، والابتعاد عن المشتتات.
- التفاعل مع ما يُقرأ وكأن القارئ هو المخاطب بكل آية.
حكم العمل بالقرآن
قال الله -عز وجل-: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. وهذا يعني أن تحكيم النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون باتباع القرآن الكريم.
فكما قال -عز وجل- على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾. فيجب الإيمان بالقرآن والعمل به، حيث لا يقبل أي عمل ينتج عن مصادر غير القرآن.
أثر العمل بالقرآن الكريم
للعمل بالقرآن آثار عظيمة ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوية، منها:
- العمل بالقرآن سبب للفلاح في الدارين.
قال الله -عز وجل-: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
- العمل بالقرآن الكريم سبب لنيل رحمة الله -عز وجل-.
قال -عز وجل-: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
- العمل بالقرآن سبب لمغفرة الذنوب.
قال -عز وجل-: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾.
- العمل بالقرآن سبب للشفاعة في الآخرة.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَوْمَ القِيَامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وآلُ عِمْرانَ، وضَرَبَ لهما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قالَ: كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أَوْ ظُلَّتانِ سَوْدَاوَانِ بَيَنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صاحِبِهِما).
رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان الأنصاري، الصفحة أو رقم الحديث: 805، صحيح.