التحليل الموضوعي لقصيدة جرير في هجاء الفرزدق
قام جرير في قصيدته بهجاء الفرزدق، حيث قال:
زارَ الفَرَزدَقُ أَهلَ الحِجازِ
فَلَم يَحظَ فيهِم وَلَم يُحمَدِ
وَأَخزَيتَ قَومَكَ عِندَ الحَطيمِ
وَبَينَ البَقيعَينِ وَالغَرقَدِ
وَجَدنا الفَرَزدَقَ بِالمَوسِمَينِ
خَبيثَ المَداخِلِ وَالمَشهَدِ
نَفاكَ الأَغَرُّ اِبنُ عَبدِ العَزيزِ
بِحَقِّكَ تُنفى عَنِ المَسجِدِ
وَشَبَّهتَ نَفسَكَ أَشقى ثَمودَ
فَقالوا ضَلِلتَ وَلَم تَهتَدِ
وَقَد أُجِّلوا حينَ حَلَّ العَذابُ
ثَلاثَ لَيالٍ إِلى المَوعِدِ
وَشَبَّهتَ نَفسَكَ حوقَ الحِمارِ
خَبيثَ الأَوارِيَّ وَالمِروَدِ
في المقطع الأول من هذه القصيدة، يستخدم جرير هجاءً لاذعاً ضد الفرزدق، حيث يصوره كونه منبوذاً حتى من قبيلته، مشبهاً إياه بالأقوام التي حلّت بها العقوبة مثل ثمود.
وَجَدنا جُبَيراً أَبا غالِبٍ
بَعيدَ القَرابَةِ مِن مَعبَدِ
أَتَجعَلُ ذا الكيرِ مِن مَالِكٍ
وَأَينَ سُهَيلٌ مِنَ الفَرقَدِ
وَشَرُّ الفِلاءِ اِبنُ حوقِ الحِمارِ
وَتَلقى قُفَيرَةَ بِالمَرصَدِ
وَعِرقُ الفَرَزدَقِ شَرُّ العُروقِ
خَبيثُ الثَرى كابِيُ الأَزنُدِ
وَأَوصى جُبَيرٌ إِلى غالِبٍ
وَصِيَّةَ ذي الرَحِمِ المُجهَدِ
فَقالَ اِرفُقَنَّ بِلَيَّ الكَتيفِ
وَحَكِّ المَشاعِبِ بِالمِبرَدِ
كَليلاً وَجَدتُم بَني مِنقَرٍ
Sِلاحَ قَتيلِكُمُ المُسنَدِ
في هذا المقطع، يستمر جرير في هجاء الفرزدق، قاصداً إحضار العار لقومه، موضحاً أنّ نسب الفرزدق لا قيمة له، بل هو من أسوء الناس ويُعتبر عديم الفائدة.
تَقولُ نَوارُ فَضَحتَ القُيونَ
فَلَيتَ الفَرَزدَقَ لَم يولَدِ
وَقالَت بِذي حَومَلٍ وَالرِماحِ
شَهِدتَ وَلَيتَكَ لَم تَشهَدِ
وَفازَ الفَرَزدَقُ بِالكَلبَتَينِ
وَعِدلٍ مِنَ الحُمَمِ الأَسوَدِ
فَرَقِّع لِجَدِّكَ أَكيارَهُ
وَأَصلِح مَتاعَكَ لا تُفسِدِ
وَأَدنِ العَلاةَ وَأَدنِ القَدومَ
وَوَسِّع لِكيرِكَ في المَقعَدِ
قَرَنتَ البَعيثَ إِلى ذي الصَليبِ
مَعَ القَينِ في المَرَسِ المُحصَدِ
وَقَد قُرِنوا حينَ جَدَّ الرِهانُ
Bسَامٍ إِلى الأَمَدِ الأَبعَدِ
يُقَطِّعُ بِالجَريِ أَنفاسَهُم
بِثَنيِ العِنانِ وَلَم يُجهَدِ
في المقطع الثالث، يظهر جرير الفرزدق كنافخ الكير الذي لا يرجى منه أي خير، مما يزيد من النار والدخان في حياته، مشتمًا إياه بهذه الصورة وكأنّه يشتم قبيلته أيضًا.
فَإِنّا أُناسٌ نُحِبُّ الوَفاءَ
حِذارَ الأَحاديثِ في المَشهَدِ
وَلا نَحتَبي عِندَ عَقدِ الجِوارِ
بِغَيرِ السُيوفِ وَلا نَرتَدي
شَدَدتُم حُباكُم عَلى غَدرَةٍ
بِجَيشانَ وَالسَيفُ لَم يُغمَدِ
فَبُعداً لِقَومٍ أَجاروا الزُبَيرَ
وَأَمّا الزُبَيرُ فَلا يَبعَدِ
أَعِبتَ فَوارِسَ يَومِ الغَبيطِ
وَأَيّامَ بِشرِ بَني مَرثَدِ
وَيَوماً بِبَلقاءَ يا اِبنَ القُيونِ
شَهِدنا الطِعانَ وَلَم تَشهَدِ
فَصَبَّحنَ أَبجَرَ وَالحَوفَزانَ
بِوِردٍ مُشيحٍ عَلى الرُوَّدِ
وَيَومَ البَحيرَينِ أَلحَقتَنا
لَهُنَّ أَخاديدُ في القَردَدِ
نُعِضُّ السُيوفَ بِهامِ المُلوكِ
وَنَشفي الطِماحَ مِنَ الأَصيَدِ
في المقطع الأخير، يتطرق جرير إلى الحوادث والمعارك التي خاضها، مانحًا الفخر لنفسه وقبيلته، مضيفًا إلى ذم الفرزدق وما اقترفته قبيلته.
التحليل الفني لقصيدة جرير في هجاء الفرزدق
برز الهجاء كعنصر أساسي في الشعر الأموي، حيث كانت هناك منافسات بين الشعراء، وكان من بين أبرز هؤلاء الشعراء جرير والفرزدق والأخطل، الذين تبادلوا الهجاء بطريقة مُحكمة. ويستعين جرير في هذه القصيدة بصورة فنية مثل تعبيره عن “خَبيثُ الثَرى”.
في هذا السياق، يوجه جرير الشتيمة إلى أصل الفرزدق، مُشيرًا إليه بكونه شيئًا خبيثًا، وذلك يعكس استعارة مكنية احتفظت بالعناصر الأساسية. كما أنه استخدم أسلوب السجع في نهاية بيتين.
التحليل الإيقاعي لقصيدة جرير في هجاء الفرزدق
قصيدته نظمت على البحر المُتقارب “فعولن فعولن فعولن فعولن”، وهو ما يعطي نصه خفة تُسهل التنقّل بين المعاني. وتظهر حروف مثل القاف والجيم، التي تعكس قوة تلقيت الكلام خاصة عند تناول موضوع هجائي.
ركز جرير على استخدام الضمير “نا” مما يعكس تأسيسًا على موازنة بينه وبين الفرزدق، مركّزًا على إبراز فضائل قبيلته مقارنةً بمثيلتها.