الهجرة إلى وجه الله

تعريف الهجرة

الهجرة تعني الانتقال، ويمكن تقسيمها إلى نوعين: انتقال مادي وانتقال معنوي. وفيما يلي توضيح لكل نوع:

  • الانتقال المادي

ويشير إلى الانتقال من مجتمعات الكفر والشرك إلى مجتمع الإيمان.

  • الانتقال المعنوي

ويعني الانتقال من ثقافات ومعتقدات المجتمعات غير المؤمنة بشتى نظمها وقيمها وأخلاقها، إلى ثقافة الإيمان وأركانه وعنوانها، وذكرت النصوص القرآنية عددًا من الإرشادات في هذا الصدد، من بينها:

    • قوله -سبحانه وتعالى-: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ).
    • قوله -سبحانه وتعالى-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا).
    • قوله -سبحانه وتعالى-: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي).

كما أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذين النوعين في حديثه الصحيح، حيث قال في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ).

هجرة الذنوب والمعاصي

إن الابتعاد عن الأماكن التي لا يستطيع الفرد فيها أداء شعائر الله، يُعتبر من الواجبات الدينية والفرائض الشرعية. فقد هاجر الأنبياء عندما واجهوا ظلم أقوامهم وضغوطهم في التواصل مع رسالتهم. فعلى سبيل المثال، دعا إبراهيم -عليه السلام- قومه للإيمان ولم يُؤمن معه سوى زوجته سارة ونبي الله لوط ابن أخيه، فقرر الهجرة من أرض الكفر.

قال -سبحانه- عن إبراهيم الخليل: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

وعلى الرغم من أن الهجرة النبوية قد انتهت منذ زمن بعيد، فإن هجرة الذنوب والمعاصي ما زالت مستمرة حتى نهاية هذه الحياة. قال -صلى الله عليه وسلم- في هذا الصدد: (المُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه).

وأوضح النبي الكريم أن “المُهاجرَ التام هو من هجر ما نهى الله عنه؛ فالمُهاجر الممدوح هو الذي جمع بين هجر وطنه وهجر المعاصي. فالابتعاد عن دار الشرك مع الاستمرار في المعاصي ليس هجرًا كاملًا. والمُهاجر الحقيقي هو الذي تجاوز الهجرة الظاهرة إلى ما يُرضي الله سبحانه وتعالى”.

إضاءات حول مفهوم الهجرة

من خلال استعراض النصوص الشرعية من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، يتضح لنا بعض الإرشادات الربانية والنبوية المتعلقة بمفهوم الهجرة، منها:

  • تقدير الله -عز وجل- للمهاجرين

وقد ورد ذلك في عدة مواضع في كتاب الله، منها قوله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ)، وكذلك قوله -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ).

  • الهجر كحل معتمد في إصلاح علاقة الزوجة

ويتضح ذلك من قوله -سبحانه وتعالى-: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)، وفسّر ابن عباس: “الهجر في المضاجع يعني أن ينعطف نحوها ويوليها ظهره دون أن يجامعها”، وقيل أيضًا: “أن يفصل فراشه عن فراشها”.

  • لا يجوز للمسلم هجر أخيه المسلم

قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ).