مفهوم النسخ والمنسوخ

النسخ في اللغة يعني الإزالة، ومن هنا يُقال: “نسخت الشمس الظل” أي أزالته، و”نسخت الريح أثر المشي”. كما يُفهم النسخ على أنه نقل شيء من مكان إلى آخر، فمثلاً إذا قلت “نسخت الكتاب” فهذا يعني أنك نقلت ما يحتويه. كما ذُكر في القرآن الكريم: (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، مما يشير إلى نقل الأعمال إلى الصحف.

وبالنسبة لإصطلاح النسخ، فهو يعتبر وقف العمل بخطاب شرعي سواء من القرآن أو السنة، ولا يعتمد النسخ على العقل والاجتهاد.

أما المنسوخ، فهو الحكم الشرعي الذي تم إلغاؤه أو انتهى العمل به بناءً على حكم شرعي من القرآن أو السنة.

الناسخ هو الذي يستحدث النسخ ويُنزل الآيات والأحكام، وهو الله تعالى، كما ورد في كتابه العزيز: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا). وفي قوله تعالى: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).

يتم النسخ من خلال الأوامر والنواهي ولا يحدث في المسائل العقائدية أو المسلمات الدينية الخاصة بأصول العبادات والمعاملات. يُروى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مر برجل يقص الحديث، فقال له: “أعرفت الناسخ والمنسوخ؟”، فقال: لا، فأجابه: “هلكت وأهلَكْتَ”. ومن جهة أخرى، قال ابن عباس بشأن الآية (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً): “إنّ المعرفة بالقرآن تشمل ناسخه ومنسوخه ومُحْكَمه ومتشابهه ومُقدَّمِه ومُؤَخَّرَه، وكذلك حلاله وحرامه وأمثاله”.

أنواع النسخ

قسم العلماء النسخ إلى أربعة أصناف رئيسية، نذكر منها:

نسخ القرآن بالقرآن

هذا النوع متفق عليه من قبل العلماء، كما هو الحال في الآية التي كانت تحدد عدة المرأة المتوفى عنها زوجها كانت حولًا كاملًا، ثم نُسِخت بآية الاعتداد بأربعة أشهر وعشر.

نسخ القرآن بالسنة

ينقسم نسخ القرآن بالسنة إلى نوعين:

  • نسخ القرآن بالسنة الآحادية: لم يُجزه الجمهور، حيث إن القرآن متواتر ويؤدي إلى اليقين، بينما الحديث الآحادي والذي لم يبلغ درجة التواتر يظل ظنيًا وليس قطعي الثبوت.
  • نسخ القرآن بالسنة المتواترة: هذا النوع أجازه كل من مالك وأبو حنيفة وأحمد في رواية، وجميعها وحي من الله، كما جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).

نسخ السنة بالقرآن

هذا النوع أجازه الجمهور، ومن الأمثلة عليه تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة المكرمة، حيث كانت ثابتة بالسنة ولم تُذكر في القرآن في تلك الفترة، فتم نسخها بالآية: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ).

نسخ السنة بالسنة

ويشمل نسخ السنة بالسنة أربعة أنواع وهي:

  • نسخ سنة متواترة بسنة متواترة.
  • نسخ سنة آحادية بسنة آحادية.
  • نسخ سنة آحادية بسنة متواترة.
  • نسخ سنة متواترة بسنة آحادية.

اتفق الجمهور على جواز الأنواع الثلاثة الأولى، أما النوع الرابع فهناك خلاف حوله كما هو الحال في نسخ القرآن بالسنة الآحادية، ولم يُجزه الجمهور.

أمثلة على النسخ

  • قوله تعالى في سورة البقرة الآية 180: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)، والذي تم نسخه بآية المواريث في سورة النساء الآية 11.
  • قوله تعالى في سورة البقرة الآية 240: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) تم نُسخها بقوله تعالى في سورة البقرة الآية 234: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً).
  • قوله تعالى في سورة النساء الآية 15، 16: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)، وقد تم نُسخها بآية الجَلْد للبِكْر في سورة النور الآية 2: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)، وبالرّجم للثيِّب كما ورد في السٌّنّة.