القضايا المطروحة في المقامة
تُعتبر المقامة أحد فنون الأدب العربي المتميزة التي ظهرت في العصر العباسي. كان الهدف من تطوير هذا الفن هو تصوير أحوال الأدباء وإظهار مواهبهم وابتكاراتهم، حيث تميزت بجماليتها البلاغية. تشبه المقامة القصص الأدبية، وتتكون من راوٍ وبطل. أسس هذا الفن بديع الزمان الهمذاني، ومن أبرز المواضيع التي تناولتها المقامة ما يلي:
الكدية
الكدية تعني التسول والاستجداء، وهي مهنة السائل الذي يلجأ إلى الناس للمساعدة. وقد تمثل أدب الكدية في المقامات كمنصة تُظهر تمرد المكدين، حيث تم تأليف معظم المقامات لعرض ظاهرة التسول. وقد ذكر الثعالبي أن “غالبيتهم في الكدية”. مثلاً، كان بديع الزمان الهمذاني يختار شخصية واحدة تمثل البطل في كل مقام، بينما يمثّل عيسى بن هشام الراوي. ومن هنا، تميز الإسكندري بسمات مختلفة في كل مقام.
لقد استغل أبو الفتح الإسكندري عواطف الناس ومشاعرهم، ففي المقامة القريضية، قدّم شخصية تستأجر أطفالاً يدعي أنهم أولاده ويعانون من الجوع. ولهذا، فقد جعل الهمذاني الإسكندري ينشد الشعر حول الكدية والتسول طالباً المساعدة، كما يظهر في قوله:
يا قَوْمُ قَدْ أَثْقَلَ دَيْنِي ظَهْـرِي
وَطَالَبَتْنِي طَلَّتِي بالمَـهْـرِ
أَصْبَحْتُ مِنْ بَعْدُ غِنىً وَوَفْرِ
سَاكِنَ قَفْرٍ وَحَلِيفَ فَـقْـرٍ
يا قَوْمُ هَلْ بَيْنَكُمُ مِـنْ حُـرِّ
يُعِيُننِي على صُرُوفِ الدَّهْرِ
يا قَوْمُ قَدْ عِيلَ لِفَقْري صَبْرِي
وَانْكَشَفَتْ عنِّي ذُيُولُ السِّتْرِ
التعليم
تهدف المقامات إلى التعليم وتنمية الجيل الجديد على أشكال التعبير المختلفة. وقد ذكر أن “المقامات تستهدف التعليم من البداية، ولذا سماها بديع الزمان مقامة ولم يسميها قصة أو حكاية، فهي ليست أكثر من حديث قصير”. ومن هنا، وفقاً لرأي الدكتور شوقي ضيف، يمكن تحليل كل جوانب المقامات وتفسيرها بناءً على الهدف التعليمي المزعوم.
السخرية
اتخذت السخرية في أدب المقامات أشكالاً متعددة، حيث كان الهدف منها يتمثل في النقاط التالية:
الفكاهة
تم استخدام الفكاهة كوسيلة في المقامات لتعريض سلوكيات معينة. تظهر الفكاهة في تصوير الشخصيات التي تقوم بأدوار محددة في قصص المقامات، مما يمكننا من تقييم السلوك ودعوة أفراد المجتمع لتبني سلوكيات مختلفة. يظهر ذلك بوضوح في استغلال الهمذاني لأسلوب الفكاهة، كما هو الحال مع احتيال عيسى بن هشام على رجل يُدعى أبو عبيد في المقامة البغدادية.
في المقامة البغدادية، نقرأ: “اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ؟….”
التهكم
لجأ مؤلفو المقامات، وعلى رأسهم الهمذاني، إلى استخدام أسلوب التهكم للسخرية من الأوضاع الاجتماعية الذي وصل إليه الناس، معبرين عن الواقع بطريقة غير مباشرة بأسلوب ساخر. فمثلاً، في المقامة الأزادية، يظهر الهمذاني شخصية الإسكندري الذي يمثل المكدي، حيث يطلب المساعدة متلثماً من الناس لإثارة تعاطفهم استناداً إلى حالته المزرية.