الشعر في العصر الأندلسي

تميز النشاط الشعري خلال عصر الولاة وبداية الدولة الأموية، وامتد حتى فترة الحكم الربضي بتعذر الانتشار، ويرجع هذا إلى أن معظم العرب الفاتحين للأندلس كانوا من القبائل اليمنية، في حين أن الشعر ازدهر بشكل خاص لدى العرب العدنانيين. ومن المحتمل أنه قد تم نظم بعض القصائد في ذلك الوقت، لكن لم يتم توثيقها من قبل الرواة.

شهد النشاط الشعري ازدهارًا خاصًا في زمن الدولة الأموية، حيث زادت المؤلفات التي تركز على تاريخ الشعراء الأندلسيين وأعمالهم، مثل كتاب (طبقات الشعراء بالأندلس) للمؤلف عثمان بن ربيعة وكتاب (أخبار شعراء الأندلس) لمحمد بن هشام الأموي.

وفي عصر الطوائف، على الرغم من الانقسام السياسي وتفكك الكلمة في الأندلس، إلا أن الحياة الثقافية شهدت انتعاشًا بارزًا. اشتدت المنافسة بين أمراء الطوائف للحصول على الشهرة وجذب المدائح الشعرية، فاجتمع كل أمير مع مجموعة من الشعراء. وقد تولت أسرة (بنو عباد) في إشبيلية دعم الشعراء بشكل خاص، حيث كان المعتضد وابنه المعتمد يعيشان في مجالس شعرية مليئة بالأدب، وخاصة أن المعتمد كان شاعراً بارزًا.

لم تصل أي إمارة من إمارات الأندلس إلى مستوى إشبيلية في رعاية الشعراء، حيث كان المعتصم بن صُمادح في المريَّة شاعراً وداعماً للأدب والشعر. في عصر الموحدين، ازداد شغف الأندلسيين بفن الشعر، مما أدى إلى كثرة الشعراء والشاعرات، ولكن بعد زوال دولة الموحدين، تراجع ازدهار الشعر الأندلسي.

أغراض الشعر الأندلسي

كتب شعراء الأندلس في مجالات متعددة، أبرزها:

  • المدح:

حافظت مدائح شعراء الأندلس على طابعها الكلاسيكي، حيث اهتموا بأسلوب الاستهلال وطرائق الخروج من الموضوعات. غالباً ما كانت مدائحهم تتضمن التملق والاستجداء، مشابهه لأعمال الشعراء المشارقة. كانت بدايات مدائحهم تضم وصف الخمر أو الطبيعة أو المحبوبة، كما تطرقت أوصافهم للناقة والأطلال، رغم أنه لم يكن هناك تفاصيل دقيقة في وصفهم.

  • الرثاء:

عبر الأندلسيون عن حزنهم على فقدان الأحبة بطريقة مشابهة للشعراء المشارقة، حيث وصفوا مناقب المتوفين وشدة وقع الفقد عليهم، مستهلين مراثيهم بالحكمة، وكان رثاؤهم للمدن الساقطة أكثر ابتكاراً مقارنة بشعراء المشرق.

  • الهجاء:

لم يتمتع شعر الهجاء في الأندلس بالاهتمام نفسه، خصوصًا الهجاء السياسي، حيث كانت الأحزاب السياسية أقل مقارنة بالمشرق. لذا كانت أشعار الهجاء لديهم للمتاجرة، بعكس المشارقة الذين كانوا يدافعون عن العرب وينتقدون الشعوبية، حيث هجوا البرابرة والفرنجة.

  • الحكمة:

بدت حكمة شعراء الأندلس بسيطة، نظراً لأنهم لم يخوضوا تجارب تأمل عميقة، حتى بزغت الفلسفة في القرن الخامس الميلادي، ليكون هذا العصر عصر النهضة الفكرية والأدبية.

  • الزهد:

نظم الشعراء في الزهد بدافع من التقليد أحيانًا، وأخرى بدافع ديني. وقد أثرت الحروب والفتن وتقلبات الأحوال في نفوس الشعراء، مما جعلهم يميلون إلى انتقاد تقلبات الزمن وغدر الأيام، حتى وصلوا إلى موضوع الزهد والتقشف وذكر الله.

الشعراء في العصر الأندلسي

برز العديد من الشعراء خلال العصر الأندلسي، ومن أبرزهم:

  • ابن عبد ربه:

هو أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه، وُلد في قرطبة، نشأ في ظروف صعبة لكن سرعان ما نال شهرة عالية بشعره. في شبابه كتب قصائد غزل ووصف الخمر، ومع تقدم سنه نظم العديد من القصائد التي أسماها (المحمصات) أو (المكفرات)، حيث ناقض فيها أفكاره السابقة. من أشهر أبياته:

الجسمُ في بَلَدٍ وَالرُّوحُ في بَلَدِ

:::يَا وحشَة الرُّوحِ بَلْ يَا غُربَةَ الجَسَدِ

إِنْ تَبْكِ عَيْنَاكَ لي يَا مَنْ كلِفْتُ بِهِ

:::مِنْ رَحمَةٍ فَهُما سَهْمانِ في كَبِدي

  • أبو البقاء الرندي

هو صالح بن يزيد بن صالح بن شريف الرندي، كان أديبًا وشاعرًا وناقدًا مرموقًا في عصره، اشتهر بقصيدته التي رثى فيها مدنًا أندلسية عديدة سقطت بيد العدو، حيث قال:

لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ

:::فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ

هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ

:::مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ

  • ابن زيدون

هو أحمد بن عبد الله بن زيدون، شاعر أندلسي وُلِد في قرطبة، وكان أبوه فقيهًا من سلالة بني مخزوم القرشيين. يُعتبر من أبرز الشعراء الأندلسيين، إذ أجمعت آراء الكتاب والمؤرخين على جمال شعره وأسلوبه الفريد. أحبه الشاعر ولادة بنت المستكفي، واستمرت قصة حبهما تتداول عبر العصور. نظم قصيدة عبر فيها عن شوقه لحبيبته وتلهفه للقائها، فقال:

إِنّي ذَكَرتُكِ بالزهراء مُشتاقًا

:::وَالأُفقُ طَلقٌ وَمَرأى الأَرضِ قَد راقا

وَلِلنَسيمِ اِعتِلالٌ في أَصائِلِهِ

:::كَأَنَّهُ رَقَّ لي فَاعتَلَّ إِشفاقا