قصيدة أماه للشاعر أبي فراس الحمداني
يا أم الأسير، سقاك غيثٌ
بكرهٍ منك ما لقي الأسير.
يا أم الأسير، سقاك غيثٌ
تحيّر لا يقيم ولا يسير.
يا أم الأسير، سقاك غيثٌ
إلى من بالفِداء يأتي البشير.
يا أم الأسير، لمن تُربّى
وقد متت الذوائب والشعور.
إذا ابنك سار في برٍّ وبحرٍ
فمن يدعو له أو يستجير.
حرام أن يبيت قرير عينٍ
ولؤم أن يلمّ به السرور.
وقد ذُقتِ الرزايا والمنايا
ولا ولد لديكِ ولا بصير.
وغاب حبيب قلبك عن مكانٍ
ملائكة السماء به حضور.
ليبكِكِ كل يومٍ صمتِ فيه
مصابرة وقد حمي الهجير.
ليبكِكِ كل ليلٍ قمتِ فيه
إلى أن يبدأ الفجر المنير.
ليبكِكِ كل مضطهَدٍ مخوفٍ
أجَرتيه وقد عزّ المجير.
ليبكِكِ كل مسكينٍ فقيرٍ
أغَثتيهِ وما في العظم زير.
يا أُمّاه، كم همٍ طويلٍ
مضى بكِ لم يكن منه نصير.
يا أُمّاه، كم سرٍ مصونٍ
بقلبكِ مات ليس له ظهور.
يا أُمّاه، كم بشرى بقربي
أتتكِ ودونها الأجل القصير.
إلى من أشتكي ولمن أُناجي
إذا ضاقت بما فيها الصدور؟
بأي دعاء داعيةٍ أُوقّى
بأي ضياءِ وجهٍ أستعين؟
بمن يُستدفَعُ القدرُ الموفّى
بمن يُستفتحُ الأمرُ العسير.
نسلّى عنكِ أنّا عن قريبٍ
إلى ما صرتِ في الأخرى نصير.