السيدة خديجة بنت خويلد

تنحدر السيدة خديجة من قبيلة قريش، إذ أن والدها هو خويلد بن أسد بن عبد العزى، وأمها فاطمة بنت زائدة بن جندب. تميزت السيدة خديجة -رضي الله عنها- بفطنتها وذكائها، حيث عملت في مجال التجارة وجنت ثروات طائلة، وقد استأجرت رجالاً للعمل في تجارتها. تُعتبر السيدة خديجة أم المؤمنين، فقد سمى الله الكريم زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمهات المؤمنين، كما جاء في القرآن الكريم: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ).

كما أُشير سابقًا، كانت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد من قبيلة قريش واعتنت بالتجارة.

زواج السيدة خديجة من النبيّ

عندما سمعت بالسيرة الطيبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمانته، عرضت عليه العمل في تجارتها وقيادة القوافل التجارية. رافقه غلام لها يُدعى ميسرة، وقد لمس تأثير الأمانة والبركة في تجارتهم. كانت السيدة خديجة أيضًا مُعجبة بأخلاق الرسول، وقد أخبرت صديقتها نفيسة عن ذلك.

توجهت نفيسة للرسول وعرضت عليه الزواج من خديجة، وتم الزواج بحضور عائلة النبي وأعيان مُضر. كانت السيدة خديجة تبلغ من العمر أربعين عامًا حينها، وهي أول امرأة تزوجها الرسول ولم يتزوج عليها أحد حتى وفاتها. تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- من خديجة قبل البعثة بخمسة عشر عامًا، بينما كان عمره خمسة وعشرين عامًا.

يتضح مما سبق أن خديجة -رضي الله عنها- طلبت الزواج من الرسول بعد أن عرفت بمناقب أخلاقه، فوافق النبي على ذلك.

إسلام السيدة خديجة ودعمها للنبي

بعدما عاد الرسول -عليه الصلاة والسلام- خائفًا من غار حراء عقب نزول الوحي، كانت السيدة خديجة المُسانِدة له، حيث هدّأته بكلماتها الطيبة وأخبرته: (كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمَلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ)، ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي بشرهم بأن ما تعرض له هو الوحي.

واصلت السيدة خديجة دعمها للرسول في جميع الأوقات والأحوال، حيث كان حديثها واحتضانها له راحةً لقلبه. ومنعت عنه أي خائن أو غادر قد يهدف لأذيته.

أبناء النبي وبناته من السيدة خديجة

أنجبت السيدة خديجة -رضي الله عنها- جميع أبناء الرسول -عليه الصلاة والسلام- باستثناء ابنه إبراهيم الذي وُلِد لمارية القبطية. أبناء النبي من السيدة خديجة هم:

القاسم

يعتبر أول أبناء الرسول من حيث الولادة والوفاة؛ فقد توفي صغيرًا، وكان الرسول يُكنى به. ولم يُذكر إن كان توفي قبل أو بعد البعثة.

عبد الله

وُلِد بعد البعثة، لذا لُقّب بالطاهر والطّيّب، وتوفي في سن مبكرة.

زينب

تُعد كبرى بنات النبي -عليه السلام-، تزوجت من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع، وأنجبت منه عليًا وأمامة، وأسلمت وهاجرت إلى المدينة. توفيت في السنة الثامنة من الهجرة.

رقية

ولدت عندما بلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا وثلاثين سنة، تزوجت من عتبة بن أبي لهب ثم انفصلت عنه، وتزوجت عثمان بن عفّان، وهاجرت معه إلى الحبشة. أُنجبت منه عبدالله الذي وفاته المنية بعد عامين. توفيت رقية في شهر رمضان بعد حوالي سبعة عشر شهرًا من هجرة الرسول.

أم كلثوم

أسلمت أم كلثوم عندما أسلمت والدتها، وهاجرت إلى المدينة. تزوجت عثمان بن عفّان بعد رحيل أختها رقية، ولكنها لم تنجب. توفيت في شهر شعبان من السنة التاسعة للهجرة.

فاطمة

تمتاز فاطمة بأنها أصغر بنات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهي من زوجته خديجة قبل البعثة. تزوجت من علي بن أبي طالب. أنجبت منه الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، وتوفيت بعد أبيها بفترة قصيرة.

أثمرت السيدة خديجة عن رسول الله ستة أبناء، منهم ولدان هما: القاسم وعبد الله، وأربع بنات هن: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم جميعا.

صفات خديجة زوجة الرسول

تحلت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- بالعديد من الأخلاق الفاضلة، ومن أهمها:

العفّة والطهارة

تمتعت خديجة بالعفّة والطهارة في وقت كان المجتمع مليئًا بالفواحش، لدرجة أنها لقبت بالطاهرة رغم كل المغريات.

الحِكمة والعقلانية

كانت خديجة تعتمد الحكمة والعقلانية في تصرفاتها، وأبرز مثال لذلك هو تأسيسها للتجارة بمساعدة محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد معرفتها بأخلاقه الرفيعة.

كما تجلّت حكمتها في استجابتها للوحي ولم تتعامل معه بحذر، بل سعت لمعرفة حقيقته.

مساندتها للرسول

اتسمت السيدة خديجة بنصرتها للرسول وتقديم كل الدعم له خلال مسيرته الدعوية، إذ كانت أول من آمن به وصدّقه، واستمرت في دعمها خلال الظروف الصعبة، بما في ذلك حصار قريش لهم.

خير نساء الجنة

أعطى الله تعالى السيدة خديجة مكانة رفيعة تعتبر من خير نساء الجنة، حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (حَسْبُكَ مِن نساءِ العالَمينَ مريمُ بنتُ عِمرانَ وخديجةُ بنتُ خُوَيلدٍ وفاطمةُ بنتُ مُحمَّدٍ وآسيةُ امرأةُ فِرعونَ).

تتمتع السيدة خديجة -رضي الله عنها- بمكانة رفيعة وصفات حميدة، إذ كانت تُلقب بالطاهرة وساندت رسول الله في شتى الأحوال.

وفاء النبيّ للسيدة خديجة

كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعبّر عن وفائه الكبير للسيدة خديجة -رضي الله عنها-، حيث قال: (إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا)، ولقد كانت تُعتبر أهم شخص في حياته، حتى أنه كان يُرسل لهن الهدايا ويذكرها دائمًا بمدح في غيابها.

عبرت السيدة عائشة عن غيرتها تجاه خديجة على الرغم من عدم معرفتها بها، بسبب كثرة ذكر الرسول لها.

كانت السيدة خديجة مميزة في زمانها، وهذا ما جعل الرسول يحفظ ذكراها، وقد قال: (خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بنْتُ خُوَيْلِدٍ)، وتشارك معها في صعوبات الحياة بما في ذلك الحصار.

قدمت الطعام والماء للرسول عند اعتكافه في غار حراء، وأرسل له جبريل: (هذه خديجة قد أتت مع إناء فيه طعام أو شراب، فإذا هي قد أتتْك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة).

أحبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السيدة خديجة حبًا كبيرًا في حياتها وبعد وفاتها، حيث كان يتذكرها دائمًا ويثني عليها ويعتني بصديقاتها بعد وفاتها.

فضل السيدة خديجة وقدرها

نالَت السيدة خديجة شرف قبول النبي -صلى الله عليه وسلم- لها، فلم يتزوج عليها، ودعمت الدعوة بكل ما تملك، كما بُشرت بسلامٍ خاص من الله وبقصور في الجنة، مما يدل على منزلة عالية لها.

جاء عن عبد الله بن عباس أنه حكَى: (خطَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأرض خطوطًا أربعةً، وقال: أفضَلُ نساءِ أهلِ الجنَّة خديجةُ بنتُ خويلدٍ وفاطمةُ بنتُ مُحمَّدٍ ومريمُ بنتُ عِمرانَ وآسيةُ بنتُ مُزاحِمٍ امرأةُ فيرعون). توفيت -رضي الله عنها- في مكة في السنة العاشرة للبعثة في رمضان، وعمرها خمس وستون عامًا.

إن فضائل السيدة خديجة تبرهن على مكانتها الكبيرة، حيث بشرتها جبريل بأنها من خير نساء الجنة، تقديرًا لوفائها للرسول ودعمها له بكل ما تملك. وتوفيت رضي الله عنها في شهر رمضان.