الحب

يُثير الحب في قلوبنا، ويجذب أفكارنا، ويداعب مشاعرنا، وهو نسغٌ ينسج أروع اللوحات في خيالنا كما تفعل معزوفة موسيقية. نحن العرب نتأثر ببلاغة الكلام، ونسج الكلمات، وإيقاع الأبيات، حيث يشكل كل منها مجلساً لنا للحديث عن ذواتنا، أو يكون لنا سنداً في الأزمات. تُعبر القصيدة عن فن راقٍ، وشكل جذاب وأسلوب رائع من أساليب التعبير، وهي تحظى باهتمام كبير بمختلف أوزانها وأنواعها.

أجمل قصائد الحب

من أجمل قصائد الحب، اخترنا لكم ما يلي:

قارئة الفنجان

نزار قبّاني

جلست والخوف في عينيها

تتأمل فنجاني المقلوب.

قالت:

يا ولدي، لا تحزن،

فالحب لك هو المكتوب.

يا ولدي،

قد مات شهيداً

من مات على دين المحبوب.

فنجانك، دنيا مرعبة،

وحياتك أسفار وحروب.

ستحب كثيراً، يا ولدي،

وتموت كثيراً، يا ولدي،

وستعشق كل نساء الأرض،

وترجع كالملك المغلوب.

بحياتك، يا ولدي، امرأة،

عيناها، سبحان المعبود.

فمها مرسوم كالعنقود،

ضحكتها موسيقى وورود.

لكن سماءك ممطرة،

وطريقك مسدود.

فحبيبة قلبك، يا ولدي،

نائمة في قصر مرصود،

والقصر كبير يا ولدي،

وكلاب تحرسه وجنود.

وأميرة قلبك نائمة،

من يدخل حجرتها مفقود.

من يطلب يدها،

من يدنو من سور حديقتها، مفقود.

من حاول فك ضفائرها، يا ولدي،

مفقود… مفقود.

بصَّرت ونجَّمت كثيراً،

لكنني لم أقرأ أبداً

فنجاناً يشبه فنجانك،

لم أعرف أبداً يا ولدي،

أحزاناً تشبه أحزانك.

مقدورك أن تمشي أبداً

في الحب على حد الخنجر،

وتظل وحيداً كالأصداف،

وتظل حزيناً كالصفصاف.

مقدورك أن تمضي أبداً

في بحر الحب بغير قلاع،

وتحب ملايين المرات،

وترجع كالملك المخلوع.

حب في الظلام

أحمد عبدالمعطي حجازي

أحبك؟ عيني تقول أحبك.

ورنّة صوتي تقول،

وصمتي الطويل،

وكل الأصدقاء الذين رآوني قالوا.. أحب!

وأنت حتى الآن لا تعلمين!

أحبك، حين أزف ابتسامتي،

كعابر طريق، يمر لأول مرة،

وحين أسلم، ثم أمر سريعاً

لأدخل حجره.

وحين تقولين لي… اروِ شعراً،

فأرويه لا أتلفت، خوف لقاء العيون،

فإن لقاء العيون على الشعر يفتح باباً لطير سجين.

أخاف عليه إذا صار حراً،

أخاف عليه إذا حطّ فوق يديك،

فأقصيته عنهما!

ولكنني في المساء أبوح،

أسير على ردهات السكينة،

وأفتح أبواب صدري،

وأطلق طيري.

أناجي ضياء المدينة،

إذا ما تراقص تحت الجسور،

أقول له… يا ضياء، اروِ قلبي فإني أحب!

أقول له… يا أنيس المراكب والراحلين أجب،

لماذا يسير المحب وحيداً؟

لماذا تظل ذراعي تضرب في الشجيرات بغير ذراع؟!

ويبهرني الضوء والظل حتى،

أحس كأني بعض ظلال، وبعض ضياء.

أحس كأن المدينة تدخل قلبي،

كأن كلاماً يقال، وناساً يسيرون جنبي.

فاحكي لهم عن حبيبي.

حبيبي من الريف جاء،

كما جئت يوماً، حبيبي جاء.

وألقت بنا الريح في الشط جوعى عرايا،

فأطعمته قطعة من فؤادي،

ومشّطت شعره،

جعلت عيوني مرايا،

وألبسته حلماً ذهبياً، وقلنا نسير،

فخير الحياة كثير،

ويأخذ درباً، وآخذ درباً،

ولكننا في المسا نتلاقى.

فأنظر وجه حبيبي

ولا أتكلم.

حبيبي من الريف جاء،

وأحكي لهم عنك حتى

ينام على الغرب وجه القمر،

ويستوطن الريح قلب الشجر.

وحين أعود، أقول لنفسي،

غداً سأقول لها كل شيء.

صلاة الحب

إبراهيم ناجي

أحقاً كنت في قربي،

لعلي واهم، وهماً.

تكلّم سيد القلب،

وقل لي: لم يكن حلماً.

دنوت إليّ مستمعاً،

فبحْتُ، وفرط ما بحْتُ.

بعادك والذي صنعا،

وهجرك والذي ذقت.

وحبي! ويحه حبي،

تبيعك حيثما كنت.

كلّمني سيد القلب،

وقل بالله ما أنت؟!

أرى في عمق خاطرك،

جلالاً يشبه البحر،

وألمح في نواظرك،

صفاء الرحمة الكبرى.

وأنت رضٍ وتقبيل،

وأنت ضنىً وحرمان،

وفي عينيك تقتيل،

وفي البسمات غفران.

وأنت تهلّل الفجر،

وبسمته على الأفق.

وحينًا أنّه النهر،

وحزان الشمس في الغسق.

وأنت حرارة الشمس،

وأنت هناءة الظل.

وأنت تجارب الأمس،

وأنت براءة الطفل.

وأنت الحسن ممتعاً،

تحدّى حصنه النجما.

وأنت الخير مجتمعاً،

وعندك عرشه الأسمى.

وعندك كل ما أظما،

وردّ القلب لهفانا.

وعندك كل ما أدمى،

وزاد الجرح إِثخاناً.

وعندك كل ما أحيا،

وشدّد عزمه الواهي.

حنانك نضرة الدنيا،

وقربك نعمة الله!

وفيما هواجس القلب،

وفيما أطيل تساؤلي،

أحبك أقدس الحب،

وحبك كنزي الغالي.

سناك صلاة أحلامي،

وهذا الركن محرابي.

به ألقيت آلامي،

وفيه طرحت أوصابي.

هوى كالسحر صيّرني،

أرى بقريحة الشهب،

وطهّرني وبصّرني،

ومزّق مغلق الحجب!

سموت كأنما أمضي

إلى رب يناديني.

فلا قلبي من الأرض،

ولا جسدي من الطين!

سموت ودق إحساسي،

وجُزت عوالم البشر.

نسيت صغائر الناس،

غفرت إساءات القدر!

أغنية حب ليوم غامض موشوم بالفضة

محمد القيسي

يوم غامض،

يوم يبدأ من عينيك غزير الأشجار.

يتدحرج من أغنية سريرك،

موشوماً بالفضة،

وبسيطاً كالأزهار.

يوم غامض،

يوم لحديثك، وغيابي فيك،

وتجوالي تحت الأسوار.

يوم للجمعة،

يسقط من غيم الرب

على بريّة روحي،

ويثير الأسرار.

يتناثر كرزاً من أفق يديك،

ويمعن في الإبحار.

يوم للسفر،

ويوم للعزف بلا أوتار.

يوم للشارع،

يوم للأمطار تهلّ على كرمي الواسع،

كرمي الممتد إلى خفقة أضلاعك

حتى حرقة أيامي،

حيث أرى في عينيك بداية عامي.

في هذا المنفى،

غسل كالدمع مصفى،

ويدان كأغصان الورد،

وصدر يخفق نشوان،

ويخطف ساعاتي خطفاً.

هنّ ثلاث ليال من حمّى الخوخ الجبلي،

على طرف الأرض،

توهّج وعل الوجد، وأينع كشفا.

رق وذاب،

وأنّ وغاب،

وما استكفى.

في هذا المنفى،

ما أخفيت مزامير الليل،

ولا قلبك أخفى.

يا للشجر المتوزع فوق أصابعك اللهفى،

يا للزعتر يشرق فيك ندياً فوّاحاً،

يا للتفاح،

يعطي بالرجفة أحياناً،

يعطي بالرّاح.

يا للأزهار المنثورة في شفتيك،

على مد ملابسك المزدانة بالليلك،

وأنا أسكن ليلك.

يا لدمي إذ ينهض فيّ،

ويأخذ جولته الآن،

ويغني النيزك.

يا للمقهى إذ يجمعنا في هذي الزاوية،

غريبين لنهلك،

وبعيد قليل ينفضنا عنه،

بلا حساب.

ويضيق المسلك،

والأرض تحوّمها النيران.

يا للموسيقى النابعة هنا،

من صمتك وضجيج الأشياء.

يا للصحراء،

يا للنبت الطالع والماء،

كيف أطرّز وجهك

في هذا الفرح العاصف،

وبأي مدح أتوجه للأعشاب،

وأحضان هذا الأفق الراجف؟

أي نشيد أبعث وأحيط العالم،

وأحيط الخصر بأغنية،

وأحيط الأغنية بروحي،

وأحيط بك الروح.

كيف أعالج هذا اليوم الغامض

في يُسر،

وأبوح.

حب

إياء إسماعيل

هذه أمواج الشوق

تطاردني،

وعباءة ريح الغربة

تلبيسني حزناً

وجراحاً،

وتلاحق ميلادي الأسفار.

ها أُشعل أضواء دمي ونجوم سنابلي العطشى،

وأموج ملاكاً أبيض كالحلم،

وأهُم طير بحار.

ها تلمس روحي،

أسرار الرعشة في روحك.

أدخل نجمة صبح في عينيك،

وأقرأ ميلاد الأسرار!