وثيقة المدينة المنورة

عند وصول الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، قام بإصدار وثيقة دستورية تُعرف بــ “وثيقة المدينة”. وُضعت هذه الوثيقة بهدف تنظيم شؤون سكان المدينة، وخصوصاً من المهاجرين والأنصار، كما تسعى لترتيب العلاقات مع اليهود. تحتوي الوثيقة على توضيح كافة الالتزامات الملقاة على عاتق السكان، بالإضافة إلى حقوقهم وواجباتهم. كان يُشار إليها في السابق بالكتاب أو الوثيقة، بينما تُعرف اليوم بالدستور أو الوثيقة، مما يعكس أهميتها التاريخية والدستورية.

محتويات وثيقة المدينة

تحتوي وثيقة المدينة على عددٍ من البنود التي نظّمت حياة المسلمين وسكان المدينة المنورة من اليهود. وسنستعرض أدناه تلك البنود:

البنود المتعلقة بالمسلمين

إليكم البنود الخاصة بالمسلمين في وثيقة المدينة:

  • يُعتبر جميع المسلمون من قريش أو يثرب أو غيرهم الذين يتبعون الدين الإسلامي ويجاهدون مع المسلمين أمةً إسلاميةً واحدة.
  • يتعاون المسلمون، بغض النظر عن اختلاف قبائلهم، للدفاع عن أسرائهم.
  • يُعطى الفدية لكل مفرغ، أي مدين كثير العيال، من قبل المؤمنين.
  • يتوحد المؤمنون ضد كل ظلم أو إثم أو عدوان، بغض النظر عن هوية المعتدي.
  • المؤمن لا يقتل أخاه المؤمن في حالة الكفر ولا ينصر كافراً ضده.
  • يجب مساعدة المظلومين وإغاثتهم، كما يُلزم المؤمن بمساندة أخيه المسلم.
  • المؤمن الذي يلتزم بالوثيقة ويوم الحساب لا ينبغي أن ينصر المحدثين أو يوليهم الحماية خشيةً من غضب الله.
  • يُعالج أي نزاع بين المؤمنين وفقاً لما جاء في الكتاب والسنة.
  • من يخرج من المدينة أو يدخلها يجب أن يكون في أمان، ما لم يكن ذا نية للظلم أو الفساد.
  • الله سبحانه وتعالى ناصر لمن يتقي وينظر لما ورد في وثيقة المدينة.

البنود المتعلقة باليهود

إليكم البنود الخاصة بتنظيم العلاقات مع اليهود في الوثيقة:

  • يجب أن يتشارك اليهود مع المؤمنين في الانفاق عند القتال.
  • يهود بني عوف يُعتبرون أمة واحدة مع المؤمنين.
  • لليهود الحق في الحفاظ على دينهم وأموالهم، ما لم يتسببوا في الظلم أو الفساد.
  • لليهود من بني النجار، وبني حارث، وبني ساعدة، وبني جشم، وبني أوس، وبني ثعلبة، ويهود الشطيبة نفس الحقوق الممنوحة لبني عوف، إلا من وقع منهم في الظلم.
  • لا يجوز لليهود مغادرة المدينة دون إذن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
  • يتكفل اليهود بنفقاتهم، كما يتكفل المسلمون بنفقاتهم.
  • يتعاون اليهود والمسلمون في نصرة من يحارب وثيقة المدينة، وكذلك في تقديم الدعم للمظلومين.
  • يشمل التعاون بين اليهود والمؤمنين طالما أن الطرفين يتعاونان ضد الأعداء خلال فترة القتال.
  • يجب على اليهود دعم المؤمنين في حالة الهجوم على يثرب والامتثال أثناء فترة الصلح.

نقض اليهود لبنود وثيقة المدينة

لم يلتزم اليهود في المدينة بمحتويات الوثيقة، وقاموا بنقض العهود والمواثيق، مما أدى إلى تنامي العداوة للمؤمنين. فيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

بنو قينقاع

أظهر يهود بني قينقاع عداوتهم بعد النصر الكبير في معركة بدر. وعندما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بممارساتهم، جمعهم لأجل النصح والإرشاد، لكنهم لم يستجيبوا. وقد ارتكبوا الكثير من الفساد، مما استدعى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حصارهم لمدة خمسة عشر يوماً، حتى استسلموا وأُمروا بالنفي من المدينة مع ترك ممتلكاتهم.

بنو النضير

نقض يهود بني النضير اتفاقهم بعد مقتل عمرو بن أمية، حيث خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- لطلب مساعدتهم في دفع الدية. وبعد موافقتهم، دبروا مكيدة لقتله. لكن الله -عز وجل- أخبر النبي بما كان يخطط له اليهود، مما اضطره لمغادرة المكان بسرعة وأمهلهم عشرة أيام للجلاء عن المدينة.