عناصر الصورة الشعرية في قصيدة “أنشودة المطر”

تأثر الشاعر بدر شاكر السياب بشكل ملحوظ بالتراث الشعري العربي في تشكيل صوره الشعرية. كان يعتبر الصورة الشعرية بمثابة لوحة فنية تتداخل فيها أفكاره مع المحسوسات المحيطة به، حيث يعكس من خلالها معاناته ورؤيته للعالم. تتجلى عناصر الصورة الشعرية في قصيدته “أنشودة المطر” بشكل ملخص في النقاط التالية.

أسلوب التكرار

برز استخدام التكرار بشكل كبير في هذه القصيدة، مستعينًا بأساليب البلاغة العربية. تنوع هذا التكرار ليتخذ أشكالًا متعددة منها:

  • تكرار الصورة المتضادة

متأثرًا بالشعراء العرب كالمتنبي وأبي تمام، يمزج السياب بين هذه المتضادات ليوضح العلاقة الجاذبة والتنافرية التي يشعر بها الإنسان، مثل قوله:

دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف والموت والميلاد والظلام والضياء

وفي قوله أيضًا:

وفي العراق غلال و ينثر غلال فيه موسم الحصاد

  • التكرار للأصداء السريعة ذات التأثير القوي

يتولد منهما شعور دائم، حيث يبدأ التكرار بصورة جزئية وكأنها علامة مميزة، كما يظهر في قوله:

ودغدغت صمت العصافير على الشجر مطر مطر مطر

الصور الموسيقية

تتجلى الصور الموسيقية بشكل بارز في القصيدة، مما يدل على تأثر السياب بالشعر القديم والمعاصر. وقد توصل الى ابتكار شكل جديد من الموسيقى الشعرية، حيث لا يتقيد بقوالب معينة كما في البحور المعروفة، بل يكتب قصيدته بنمط حر، مما يجعل الموسيقى تتواجد في أبياته وفق حالته الشعورية أثناء الكتابة. تشمل أنشودة المطر ثلاثة إيقاعات موسيقية كالتالي:

  • تكرار الإيقاعات الموسيقية المأساوية

وهذا يعكس حداثة التجديد الذي ميز بدر شاكر السياب، حيث يُعرف عنه اللحن الجنائزي، ومن أمثلة ذلك قوله:

أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟ وكيف تشنج المزاريب إذا انهمر؟

  • تكرار إيقاع الضحالة والجفاف

الذي يعبر من خلاله عن الفساد في الأوضاع داخل بلاده، عن طريق استخدام نضوب الحياة، كما في قوله:

وفي العراق غلال وينثر غلال فيه موسم الحصاد لتشبع الغربان والجراد

  • تكرار إيقاع الخصب والنماء

أو الأمل بالنهضة مجددًا، وهو إيقاع يستحث الهمم والحيوية، ويرمز إلى الرخاء وعودة الأمان، كما في قوله:

في كل قطرة من المطر حمراء أو صفراء من أجنة الزهر وكل دمعة من الجياع والعراة

وكل قطرة تراق من دم العبيد

فهي ابتسامة في انتظار مبسم جديد

الموسيقى الداخلية

تظهر الموسيقى الداخلية للقصيدة من خلال تكرار كلمات محددة تعتمد على سحر المفردة في التأثير من خلال قوة حروفها، حيث تم تكرار لفظ “المطر” أربع وثلاثين مرة. يُعد حرف الراء من الحروف القوية التي أجادت التعبير، بالإضافة إلى تكرار مفردات أخرى بمعدلات أقل، مثل “الخليج” و”العراق”.

كما نجد تكرار بعض التعبيرات بشكل قليل، التي تناولت موضوع الخصب وإحياء الحياة، كما في قوله: (ساعة السحر) المُكررة عدة مرات. ولا تغيب عن البال تكرارات حروف المد، والنداء، والحروف الانفجارية التي يربط بينها الشاعر أنفاسه، مثل: “تغرقان” و”ظالم” و”بكاء” و”خاف” و”عواصف” و”ضباب” و”سماء”، مما يعبر عن صرخته واستغاثته ليصل صوته إلى جميع الأماكن.

الموسيقى الخارجية

أما بالنسبة للموسيقى الخارجية، فقد ربط الشاعر بين الصورة الشعرية والموسيقى التي أتقن استخدامها، مع الاعتماد على إيقاعات وأوزان متنوعة، مُغيرًا في حرف الروي والقافية ليعكس حالته النفسية ومشاعره تجاه الأحداث التي تناولها.

اللازمة

هنا نجد السياب يختار كلمة “المطر” التي تم تكرارها في جميع مقاطع القصيدة، وكأنها تُلون النص وترسم صورة المطر، مما يعكس فرح الشاعر وأمله في المستقبل، من جانب آخر تُظهر أيضًا الرغبة في عدم الاستسلام والخضوع للواقع المحيط به.