أحداث الهجرة النبوية إلى يثرب

بداية الهجرة إلى يثرب

أذن الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة، حيث توجه إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في وقت متأخر ليُبشره بهذا الخبر. وبعد أن سمع أبو بكر -رضي الله عنه- بالخبر، عرض على النبي مرافَقته، وقد وافق النبي على ذلك، مما أسعد أبا بكر كثيرًا لفرصة مرافقة النبي. وبدأ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في تجهيز راحلتين له وللنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأستأجر دليلًا خبيرًا بطرق الصحراء يدعى عبد الله بن أريقط، رغم أنه لم يكن مسلمًا، إلا أنه كان معروفًا بالأمانة والموثوقية.

غادر النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، أثناء محاولات المشركين الحثيثة للقبض عليه، حيث أحاطوا بيته في تلك الليلة بنية قتله أو حجزه. إلا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- اتخذ احتياطاته، وجعل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ينام في مكانه مرتديًا بردته، ليظن المشركون أن علي هو محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليكون علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أول فدائي في الإسلام. وقد ضمن له النبي السلامة من كل سوء.

عندما خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من بيته، كان يقرأ من كتاب الله: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)، فوقعت النوم على المشركين، ونجح النبي -صلى الله عليه وسلم- في اللقاء مع أبي بكر الصديق وانطلقوا نحو غار ثور.

غار ثور

توجه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى غار ثور، حيث لجأوا إليه لعدة أيام حتى تقل المطاردة من قريش. قضوا في الغار ثلاث ليال، وقد كانت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- مسئولة عن إحضار الطعام لهما، فيما تولى عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- نقل الأخبار حول الموقف في قريش وزعمائها. ورافقهم راعٍ يُدعى عامر بن فهيرة، الذي كان يمسح آثار أقدامهم حتى لا يُكتشف مكانهم.

استمرت قريش بملاحقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث رصدت مكافأة لمن يأتي بخبرهما. من اللحظات الحاسمة خلال المطاردات، اقتراب مجموعة من قريش من غار ثور، حتى بات صوتهم مسموعًا للنبي ولأبي بكر. اقترب أحدهم من الغار لكنه تراجع. وقد بدأ أبو بكر -رضي الله عنه- يشعر بالخوف على النبي أكثر من نفسه، فقال للنبي: (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لابصرنا) فأجابه النبي: (ما ظنك يا أبا بكر بثنين، الله ثالثهما).

قصة أم معبد

خلال هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مروا بسيدة تدعى أم معبد -عاتكة بنت خالد-، وكان لديها شاة هزيلة لا تحلب. قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمسح على ضرعها، ودعا الله ثم حلبها، فشرب هو وأبو بكر -رضي الله عنه- من لبنها. واستمرت الشاة في إعطاء اللبن بعد مغادرتهم، فعندما عاد زوجها دهش من توفر الحليب وسألها، فأخبرته عن الرجل الذي زارهم، وعندما وصفته عرف أنه النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي تبحث عنه قريش. هاجرت أم معبد وزوجها وأسلموا بعد ذلك، وقد أطلقت على النبي -صلى الله عليه وسلم- لقب المبارك.

حديث سراقة

بعد مغادرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر من عند أم معبد -رضي الله عنها-، اعترض طريقهما شخص يدعى سراقة بن مالك، حيث كان ينوي إعادتهما إلى قريش للحصول على المكافأة. جهز نفسه وأخذ سلاحه وركب جواده ليبحث عنهما، إلا أنه عندما اقترب سقط عن حصانه. وعندما قرر استشارة الأزلام، تبين له أن لا ينبغي عليه ملاحقتهما، فطلب الأمان من النبي -صلى الله عليه وسلم- وطلب منه الدعاء. وعده النبي بأن سيحصل يوماً ما على سواري كسرى إن أخفى أمره. وافق سراقة على ذلك، ومن المثير أن المسلمين في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فتحوا بلاد فارس وجلبوا سواري كسرى وتحققت نبوءة النبي -صلى الله عليه وسلم- لسراقة.

وصول النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب

وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب برفقة أبي بكر -رضي الله عنه- بعد رحلة استمرت ثمانية أيام، بالرغم من أن الرحلة كانت تستغرق أحد عشر يومًا عادة. وقد كان وصولهم في الثاني عشر من ربيع الأول في السنة الثالثة عشرة للبعثة، وقد وصلتهم بعض الأخبار التي أفادت بأن أهل يثرب كانوا يتلهفون لرؤية النبي. خرج أهل يثرب إلى ضاحية قُباء لاستقبال الرسول، وبقي النبي في قُباء أربعة عشر يومًا، حيث أسس أول مسجد للمسلمين، وهو مسجد قُباء، الذي أُشير إليه في الآية الكريمة: (لا تَقُم فيهِ أَبَدًا لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقومَ فيهِ فيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهَّروا وَاللَّـهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرينَ).

كما يُذكر التصرف الحكيم الذي اتخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما نشب التنافس بين أهل المدينة على شرف استضافته، فقد أقر أن تكون الناقة هي من تحدد مكان النزول، حيث نزلت عند أبي أيوب الأنصاري.

أسباب الهجرة إلى يثرب

اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- الهجرة من مكة بفعل ما تعرض له من اضطهاد من قريش للمسلمين المستضعفين. كانت يثرب هي الوجهة المنقذة، حيث استعد الأنصار لمساندته. واحتاجت الرسالة إلى تأسيس دولة قوية تتبنى الإسلام، وهو ما لم يكن ممكنًا في الأوضاع القمعية بمكة. لذلك، أنعم الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأهل المدينة الذين حموه ودعموه في نشر رسالة الحق.

تم اختيار المدينة المنورة كوجهة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لأسباب عدة، منها:

  • أن أهل يثرب معروفون بالكرم وحسن الضيافة.
  • أن يثرب تمتاز بموقع محصن هو في غاية الأهمية في الحروب، إذ كانت مزروعة بأشجار النخيل والزرع الكثيفة، وقد تمت حماية الجهات الضعيفة لاحقًا بواسطة الخندق.

دروس وعبر مستفادة من الهجرة

أثرت الهجرة النبوية الشريفة بعدد كبير من الدروس والعبر، أهمها ما يلي:

  • تسليط الضوء على نماذج الكفاح والتضحية في سبيل الإسلام، مثل موقف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
  • تأكيد أن بداية التاريخ الإسلامي مرتبط بالهجرة، حيث كانت الحدث الفاصل في اعتلاء شأن الإسلام.
  • دحر الباطل وإظهاره أنه زائل مهما طال الزمن.
  • انتشار الإسلام بشكل أوسع بعد الهجرة، ودخوله في العديد من القبائل العربية.
  • إبراز دور أهل العلم والخير كعوامل في نشر الهدى.
  • إظهار أن بعض الكافرين يتمتعون بأخلاق حميدة بالرغم من كفرهم.
  • أهمية الأخذ بالأسباب والسعي نحو الأهداف مع الاعتماد على الله سبحانه وتعالى.
  • فضل إنفاق المسلمين من أموالهم لنصرة دين الله.
  • أهمية المساجد في الإسلام، وهو ما بدأه النبي -صلى الله عليه وسلم- عند وصوله إلى المدينة.