التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة
تشير عبارة التهاب الدرقية التالي للوضع (بالإنجليزية: Postpartum Thyroiditis) إلى الحالة التي تتضمن حدوث التهاب في الغدة الدرقية خلال السنة الأولى بعد الولادة. تعد هذه المشكلة من القضايا الصعبة في التشخيص، وذلك بسبب التصور السائد بأن الأعراض تعود إلى التوتر النفسي المعتاد الذي يلي فترة الولادة. ومن الجيد أن معظم النساء يعاودن الغدة الدرقية لديهن وظائفها الطبيعية بعد حوالي 12-18 شهرًا من ظهور الأعراض. ومع ذلك، هناك حالات قد تعاني فيها بعض السيدات من مشاكل مستدامة. يجدر بالذكر أن النساء المصابات بالتهاب الدرقية بعد الولادة عادة ما يمررن بمرحلتين: الأولى تتمثل في فرط نشاط الغدة (بالإنجليزية: Hyperthyroidism)، حيث ترتفع مستويات هرمونات الغدة الدرقية عن المعدلات الطبيعية، والثانية تتجلى في قصور الدرقية (بالإنجليزية: Hypothyroidism)، المتمثلة بانخفاض مستويات تلك الهرمونات. يعود هذا التغير إلى إفراز الهرمونات من الغدة الدرقية في بداية الالتهاب، مما يؤدي إلى ارتفعاها بصورة مفرطة، لكن مع مرور الوقت تتراجع وظائف الغدة نتيجة للالتهاب. ومن المهم أن نشير إلى أن التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة ليس نادرًا، إذ تشير إحصائيات الرابطة الأمريكية للغدة الدرقية إلى أن ما بين 5-10% من النساء يعانين من هذه الحالة في الولايات المتحدة.
لفهم هذه المشكلة بشكل أفضل، من المفيد أن نعرف أن الغدة الدرقية تعد واحدة من الغدد الصماء المهمة في الجسم، وتقع في الجزء السفلي من الرقبة على شكل فراشة، وتقوم بإنتاج هرمونات تدعم العديد من وظائف الجسم، بما في ذلك تنظيم درجة حرارة الجسم. حيث تُفرز الغدة هذه الهرمونات في الدم، الذي يقوم بنقلها إلى مختلف الأنسجة في الجسم مثل القلب والدماغ والعضلات، مما يعزز حرق الطاقة واستخدامها بشكل فعّال.
للمزيد من المعلومات عن الغدة الدرقية، يمكن الاطلاع على المقال التالي: (ما هي الغدة الدرقية).
أعراض التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة
كما تم الإشارة سابقًا، تختلف مظاهر التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة. ففي بعض الحالات، قد تظهر أعراض فرط نشاط الغدة قبل أن تتبعها أعراض قصور النشاط. تظهر أعراض فرط النشاط عمومًا في الفترة ما بين شهر إلى أربعة أشهر بعد الولادة، وتستمر لمدة قد تتراوح ما بين شهر وثلاثة أشهر، بعد ذلك تظهر أعراض القصور في غضون أربعة إلى ستة أسابيع وتستمر عادة لمدة تتراوح ما بين ستة إلى اثني عشر شهرًا. بينما قد تتجه بعض السيدات لإظهار أعراض خمول الغدة أو فرط نشاطها فقط. فيما يلي نستعرض علامات كل من الفرط والقصور بتفصيل أكبر.
أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية
غالبًا ما تكون أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية الناتجة عن التهاب الدرقية بعد الولادة معتدلة، مما يجعل من الصعب تمييزها عن الأعراض الناجمة عن الاضطرابات المزاجية المرتبطة بفترة ما بعد الولادة. وبعض الأعراض تتضمن:
- الشعور بالقلق.
- تسارع في ضربات القلب.
- فقدان غير مبرر في الوزن.
- زيادة الحساسية للحرارة.
- التهيج.
- الشعور بالإعياء.
- مواجهة صعوبة في النوم.
- الرعشة أو الاهتزاز.
للمزيد من المعلومات عن أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية، يمكن قراءة المقال التالي: (ما هي أعراض زيادة نشاط الغدة الدرقية).
أعراض خمول الغدة الدرقية
في العادة، تستمر أعراض قصور الغدة الدرقية لما يقارب السنة. ولكن في حالات معينة، قد تدوم هذه الأعراض لفترة أطول قد تصل إلى مدى الحياة. تشمل هذه الأعراض:
- زيادة الوزن.
- الشعور بالاكتئاب.
- زيادة الحساسية للبرودة.
- جفاف البشرة.
- قلة النشاط أو الشعور بالخمول.
- الإمساك.
- الشعور بآلام في العضلات.
- الإحساس بالإعياء.
لمعرفة المزيد عن أعراض قصور الغدة الدرقية، يمكن زيارة المقال التالي: (أعراض نقص هرمون الغدة الدرقية).
أسباب التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة
إلى يومنا هذا، لم يتم التعرف على الأسباب الدقيقة التي تؤدي إلى التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة. لكن لوحظ وجود مستويات عالية من الأجسام المضادة للغدة الدرقية خلال الأشهر الأولى من الحمل وبعد الولادة عند النساء المصابات بهذه الحالة، مما يشير إلى ارتباط التهاب الغدة الدرقية بمشكلة مناعية ذاتية تم تحفيزها بعد الولادة نتيجة للتغيرات المناعية. تشبه هذه الحالة التهاب الغدة الدرقية هاشيميتو (بالإنجليزية: Hashimoto’s thyroiditis)، الذي يتسبب فيه الجهاز المناعي بمهاجمة الغدة الدرقية عن طريق الخطأ. تندرج هذه الحالة ضمن الأمراض المناعية الذاتية، حيث يهاجم الجهاز المناعي الأنسجة السليمة في الجسم بحرص. تشمل العوامل التي قد تزيد من احتمالية الإصابة بالتهاب الغدة الدرقية بعد الولادة:
- وجود أمراض مناعية ذاتية أخرى، مثل مرض السكري من النوع الأول (بالإنجليزية: Type 1 Diabetes Mellitus).
- ارتفاع مستويات الأجسام المضادة للغدة الدرقية في الدم، حيث يرتبط هذا الارتفاع بزيادة احتمال الإصابة بالتهاب الغدة.
- وجود تاريخ عائلي بالإصابة بأمراض الغدة الدرقية.
- التعرض لمشكلة التهاب الغدة الدرقية بعد ولادة سابقة.
- الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، مع تأكيد الحاجة لفهم العلاقة بين التهاب الدرقية واكتئاب ما بعد الولادة بصورة أفضل.
- تاريخ شخصي بالإصابة بأحد الأمراض المتعلقة بالغدة الدرقية.
- التدخين.
تشخيص التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة
يعتبر تشخيص التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة تحديًا غالبًا، نظرًا لعدم ظهور أعراض سريرية واضحة في العادة. يتم إجراء فحوصات لقياس مستويات هرمونات الغدة الدرقية في الدم، حيث تختلف النتائج وفقًا للمرحلة التي يكون فيها المرض. على سبيل المثال، في مرحلة قصور الغدة الدرقية، قد تكون مستويات هرموني الثيروكسين (بالإنجليزية: Thyroxin) وثلاثي يود الثيرونين (بالإنجليزية: Triiodothyronine) أقل من المعدل الطبيعي، في حين يرتفع مستوى الهرمون المنشط للدرقية (بالإنجليزية: Thyroid-stimulating hormone). وعند الفحص في مرحلة فرط نشاط الغدة الدرقية، تكون النتائج عكس ذلك. في بعض الحالات النادرة، قد يأخذ الطبيب خزعة من الغدة الدرقية لتفريق حالة التهاب الغدة الدرقية عن حالات صحية أخرى. كما يمكن إجراء فحص للكشف عن مستوى الأجسام المضادة للغدة الدرقية في دم المرأة. في حال كانت النتائج غير طبيعية، يُفضل إجراء المزيد من الفحوصات بعد أسبوع أو أسبوعين. في حال تم تشخيص التهاب الغدة الدرقية خلال فترة ما بعد الولادة، قد يتطلب الأمر فحوصات سنوية لرصد أي قصور دائم في الغدة الدرقية.
علاج التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة
يختلف علاج التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة باختلاف شدة الأعراض ومرحلة المرض، كما يعتمد على سلامة صحة المرأة والتاريخ الصحي لها. يجب الإشارة إلى أن معظم الحالات لا تتطلب أي تدخل علاجي. أما بالنسبة للعلاج، فإليكم بعض الطرق المستخدمة بناءً على المرحلة السريرية:
- مرحلة فرط نشاط الغدة الدرقية: إذا ظهرت أعراض حادة، قد يصف الطبيب أدوية مثل حاصرات مستقبلات بيتا (بالإنجليزية: Beta Blockers) أو بريدنيزون (بالإنجليزية: Prednisone) للتقليل من عدد النبضات والتخفيف من الأعراض الناتجة.
- مرحلة قصور الغدة الدرقية: يعتمد العلاج هنا على تزويد المريضة بأدوية تحتوي على هرمونات الغدة الدرقية لتعويض النقص.
يجدر بالنساء اللاتي يتلقين علاجًا للعلاج أن يناقشن مع أطبائهن أهمية إجراء فحوصات دورية لمتابعة مستويات الهرمونات. في كثير من الحالات، تعود الغدة الدرقية لوظيفتها الطبيعية خلال 12-18 شهرًا من ظهور الأعراض، مما يستدعي توقف تناول الأدوية. يجب إجراء الفحوصات بعد التوقف عن الأدوية بعد ستة أسابيع، ثم بعد ثلاثة أشهر، وفي حال كانت النتائج طبيعية، ينصح بإجراء الفحوصات سنويًا. بعض الحالات قد تستدعي تقييمًا آخر لتقرير الخطوات الضرورية.
أمان التهاب الغدة الدرقية بعد الولادة
يجب على المرأة المرضع أن تأخذ بعين الاعتبار تأثير الأدوية على الطفل الرضيع، حيث قد تنتقل بعضها عبر حليب الأم. دواء الليفوثيروكسين المستخدم في علاج قصور الغدة الدرقية يعتبر آمنًا، حيث أن الكمية المأخوذة منه التي قد تصل إلى حليب الأم ضئيلة جدًا، وغير ضارّة. أما بالنسبة لأدوية مضادات الدرقية المستخدمة في حالة فرط النشاط، فلا يزال النقاش قائمًا حول تأثيرها على الرضيع. وبالتالي، يتم إعطاء أقل جرعة فعالة للمرأة المرضع بعد الولادة. يتمنى استثناء دواء بروبرانولول (بالإنجليزية: Propranolol) من هذه القاعدة باعتباره يقلل من تركيز الدواء في حليب الأم مقارنةً بالأدوية الأخرى من نفس المجموعة. يجب الالتزام بتوجيهات الطبيب المختص وعدم اتخاذ أي إجراء دون استشارته.
الوقاية من التهاب الدرقية بعد الولادة
قد يكون من الصعب تجنب الإصابة بالتهاب الغدة الدرقية بعد الولادة، ولكن يُوصى المرأة بمراقبة التغيرات التي قد تحدث عقب الولادة، حيث أنه من المهم الانتباه إلى الأعراض أو التغيرات التي قد تؤدي إلى هذه الحالة، خاصةً في الأشهر الأولى بعد الولادة، خصوصًا إن كانت المرأة معرضة للعوامل المسببة لهذه المشكلة. يتوجب التواصل مع الطبيب عند ملاحظتها لأي أعراض غير طبيعية.